ما هي مواهب الروح القدس
يحدد القديس توما الأكويني مواهب الروح القدس بقوله: “أنها كمالات تُهيّء الإنسان لاتباع إلهامات الروح القدس”. فمواهب الروح إذاً استعدادات تقوية تميل بالنفس إلي الإصغاء إلى إلهامات الروح والعمل بها. ذلك أن الإنسان وإن جمّلت نفسه النعمة، وزينتها الفضائل، يبقى معرّضاً للخطأ. إرادته لا تزال ضعيفة وعقله عرضة للضلال. وكثيراً ما ينجرف في تيار الأهواء الصاخب. ولا يقوى على تقديس نفسه إلا بمعونة الروح. فالروح عندما يسكن نفس المؤمن يفيض عليها مواهبه السبع، ويخلق فيها جواً روحياً مؤاتياً يُسهّل عمل الخلاص.
عدد المواهب:
ليست مواهب الروح مقصورة على سبع فقط، ولكن العدد سبعة كثيراً ما يدل ّفي التوراة على ملء الكمال. وقد أشار إليه اشعيا النبي عندما تنبأ عن المسيح بقوله: “ويخرج قضيب من جذر يسّى وينمي فرع من أصوله، ويستقر عليه روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح العلم وتقوى الرب، ويتنعّم بمخافة الرب” (اشعيا ١١: ١). وكل موهبة من هذه المواهب السبع تمدّ النفس بنور خاص
١- الحكمة:
تساعد الإنسان على معرفة الأمور الإلهية والتعمق فيها واستساغتها كما يقول صاحب المزامير: “أنظروا ما أطيب الرب” (مزمور٣٣ : ٩)، فنفضل خدمة الله والسكن في بيته على اختيار غنى العالم والانغماس في ملاذه، مردّدين مع النبي داود: “ما أحب مساكنك يارب الجنود… ان يوما في ديارك خير لي من ألف” (مزمور ٨٣: ٢و١١).
٢- الفهم:
يساعدنا على تفهّم الكتب المقدّسة والتعمق في حقائق الإيمان. ونحن لا نّدعي أن هذه الهبة تمكّن الإنسان من فهم أسرار الدين في جوهرها، ولكنها تمدّ العقل بنور روحي يتمكن معه، إذا قرأ مقطعاً من الإنجيل مثلا، يفهمه حق الفهم، حتى ولو لم ينتبه إليه سابقاً رغم قراءته للنص مرات عديدة، فيتخذ له منه منهجاً يسير عليه في حياته الروحية. وقد أوتي هذه الهبة جميع اباء الكنيسة الذين شرحوا العقيدة الدينية وقرّبوها من اذهان المؤمنين “لأن الروح يفحص عن كل شيء حتى عن أعماق الله” (قورنتس الأولى ٢: ١٠).
٣- المشورة:
تُجنّب الإنسان الطيش والتسرّع والإدعاء وأخطاره على الحياة الروحية، فالذي يتخذ قراراته دون استلهام الله والعودة إليه، يقع في ضلال، فهو يعبد نفسه ويعظمّها، وعليه أن يعبد الله ويمجّده، “لأن كل عطية صالحة وكل موهبة كاملة هي من لدنك يا ابا الأنوار”. والمسيح نفسه أعطانا مثلاً في ذلك، فلم يكن يعمل شيئا دون استشارة أبيه، وقد قال عن نفسه: “لا يستطيع الابن أن يصنع شيئاً من عنده إلاّ إذا رأى الأب قد صنعه” (يوحنا ٥: ١٩).
:٤-القوة
تمكن الإنسان من العمل برغائب الله ومجابهة الشدائد واحتمال المحن والمصائب، فنشعر مهما صعبت الدنيا امام وجوهنا أن الله معنا، كما فعل الله مع موسى يوم كلّفه بإخراج الشعب الإسرائيلي من مصر: “اني أكون معك” (خروج ٣ :١٣). ونقوى على “طاعة الله لا الناس” (أعمال ٤: ١٩)، ولو كُلّفنا سفك الدماء. وقد أوتي جميع الشهداء هذه القوّة فآثروا الموت على الكفران بالله
٥-العلم:
يرينا الأشياء على نور روحي سامٍ. إن المُلحد يرىالطبيعة والناس بنوره الطبيعي، أما المؤمن فيرى ذلك بالنور الذي يفيضه عليه الروح القدس. فيرى في الطبيعة والناس صورة الله، فيجتنب ما من شأنه أن يوقعه في مهاوي الظلام والضلال، ويمشي إلى غايته الأخيرة معتمداً لها الوسائل الناجعة التي توصله إليها.
٦- التقوى
وهي أثمن هبات الروح، تشدّد العزيمة وتقوّي النفوس الضعيفة، كما يقول بولس الرسول: “إن الروح يأتي لنجدة ضعفنا” (رومة ٨: ٢٦). والتقوى تُهيمن على علاقات الإنسان بالله وتوطّدها على أسس صحيحة ثابتة. فهي إذاً مزيج من عبادة واحترام بنوي للآب السماوي.
٧- الخوف
لا ينافي التقوى، ولا نعني بالخوف خوف القصاص وهو خوف العبيد، بل نعني خوف إهانة الله بالخطيئة، وهو خوف البنين. وهذا هو الخوف الذي تحدّث عننه اشعيا النبي عندما قال عن السيد المسيح: “انه يتنعم بمخافة الرب” (اشعيا ١١ : ٣). وهو الخوف الذي يشعر به الملائكة في حضرة الله، ومصدره الاحترام والتكريم والعبادة. كما يعلمنا كتاب المزامير بقوله: “مخافة الرب طاهرة ثابتة إلى الأبد” (مزمور ١٨: ١٠)، وعن روح الخوف هذا تحدّث بولس الرسول كذلك قائلاً: “لم تتلقّوا روحاً يستعبدكم ويردكم إلى الخوف، بل روحاً يجعلكم أبناء وبه ننادي: يا ابتاه” (رومة ٨ : ١٤]]>