<!–[CDATA[
«بِبَيْتِكَ تَلِيقُ الْقَدَاسَةُ يَا رَبُّ إِلَى طُولِ الأَيَّامِ» (المزامير 93: 5
حضرات الأبناء الروحيين الأفاضل وإخوتي في المسيح يسوع، الآباء الكهنة والمؤمنين في كندا المباركين
بعد إهدائكم البركة والدعاء والسلام بالرب يسوع، يطيب لي أن أهنئكم جميعاً بمناسبة عيد ميلاد ربنا يسوع المسيح بالجسد وعيد رأس السنة الجديدة، متمنياً لكم أياماً مكللة بالأفراح الروحية والصحة الجسدية، أما بعد
فإنني أنتهز هذه الفرصة لأتوجّه إليكم أيها الأحباء بهذه الرسالة الرعوية الإرشادية التي ستليها رسائل رعوية أخرى إن شاء الرب وعشنا، أتطرق فيها إلى تساؤلات روحية تتطلب شرحاً، بعضها قد يكون مهماً جداً وذلك لارتباطه بحياة القداسة وخلاص نفوسنا
وحديثنا اليوم هو عن الحفلات، فهو أمر لا يتعلق بوتيرة الحياة اليومية، ولكنه حدث اجتماعي قد يتكرر في حياة الفرد عدة مرات في السنة، ومع ذلك فهو من المواضيع المهمة المتعلقة بخلاص نفوسنا
:لذا فالسائل يسأل
هل يحل للمسيحي أن يحضر أو يقيم الحفلات؟
هل يحل لمؤسسات الكنيسة أن تفعل ذلك؟
هل هذا الموضوع واضح أم أنه منطقة رمادية ونقطة جدلية معقدة؟
لا يمكن الإجابة على مثل هذه الأسئلة بنعم أو لا، لأنها تحتاج إلى مناقشة العناصر التي تتكوّن منها هذه الحفلات
قد يكون الجواب المبدئي البسيط: نعم يحلّ ذلك شريطة أن تكون هذه الحفلات خالية من الخطايا والعثرات
في العالم، إن بعض الحفلات التي يقيمها أهل هذا العالم يسيطر عليها إبليس ويملؤها بأجواء الخطية التي قد تؤدي إلى وقوع الناس فيها فتقودهم إلى الهلاك الأبدي عند موتهم لعدم توبتهم. وفي أجواء الخطية هذه تكثر الألبسة الخليعة الفاضحة (غير المحتشمة)، والأغاني ذات المحتوى الجنسي البذيء، والرقص الخليع، والراقصات شبه العاريات برقصهن الفاضح، واحتساء الكحول حتى السكر، وتدخين الحشيش وتعاطي المخدرات وإلى ما هنالك. وأخطر ما في ذلك أنها أصبحت ظاهرة اجتماعية عامة يتسابقون فيها ويفعلونها دونما أي شعور بالذنب لأن ضمائرهم قد تخدّرت ففارقهم خوف الله
ومع الأسف الشديد لقد أخذ الكثير من المسيحيين يقلّدون أهل العالم في طريقة حياتهم في معظم الأمور ومنها الحفلات فيرتكبون كل هذه الأمور أو جزءاً منها بحسب درجة مساومتهم، دون أية مراعاة لوصايا الله وأحكامه
بعضهم بسبب جهلهم
وبعضهم بسبب عدم توبتهم وانغماسهم في مختلف الشهوات
وبعضهم بسبب فتورهم وكسلهم في الصلاة وأعمال الفضائل
وبعضهم بسبب كبريائهم وقساوة قلوبهم
وبعضهم الآخر بسبب لامبالاتهم وعدم خوفهم من دينونة الله الرهيبة.
فإذا قلّد المؤمن المسيحي أهل العالم في نمط حفلاتهم، أو وضع نفسه في مثل أجوائها، ألا يعرّض نفسه للسقوط في خطايا عديدة؟
نعم، بالطبع يعرّض نفسه
فهناك احتمالية للسقوط في خطية شهوة الجسد التي قال عنها الرب يسوع: «ان كل من ينظر الى امراة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه» (مت 5: 28)، وهذه الخطية بالذات أي الزنى بالقلب، لا يملّ إبليس من أن يجرب بها حتى كبار القديسين فكم بالحري أولاد الله المتهاونين، لا بل الكتاب المقدس يخبرنا أن إبليس أغوى بها بعض أولاد الله المتهاونين فسقطوا بعدئذ في أوضاع زنى فعلية صعبة جداً ومكروهة حتى من الخطاة أنفسهم وهي زنى المحارم أي القرابة الجسدية، والكتاب المقدس يوصي بمقاومة إبليس فيهرب من أمامنا، أما الزنى فهو الخطية الوحيدة التي يوصي ألاّ نقاومها بل أن نهرب منها كما فعل يوسف البار ابن يعقوب عندما هرب من زوجة فوطيفار وفضّل السجن لأكثر من 10 أعوام على أن يصنع الشر أمام عيني الله. فعند اشتعال النيران يهلك الناس احتراقاً إن لم يهربوا بعيداً عن النار
وهناك احتمالية للوقوع في خطية السكر التي يقول عنها الرسول بولس: «لا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله» (1كو 6: 10)، وإن سقط المؤمن في خطية السكر سيفقد التركيز والسيطرة على نفسه وتضعف إرادته ومقاومته ويصبح عرضة للسقوط في خطية شهوة الجسد، وأيضاً عرضة للسقوط في خطايا اللسان والهزل والافتخار الباطل
وأيضاً هناك احتمالية للوقوع في خطية إعثار الصغار أي الذين إيمانهم صغير أو أنهم صغار السن، وهي خطية عظيمة جداً تجلب الويل على مرتكبها وهي التي قال عنها الرب يسوع: «لا يمكن إلا أن تأتي العثرات ولكن ويل للذي تأتي بواسطته. خير له لو طوّق عنقه بحجر رحى وطرح في البحر من أن يعثر أحد هؤلاء الصغار» (لوقا 17: 1و2
فماذا يحدث إن عرّض المسيحي نفسه لهذه الأجواء وسقط في كل هذه الخطايا أو بعضها؟
إنه يدنّس قلبه وفكره… ويضع نفسه في موقف انقطاع الشركة والعداوة مع الله… ويُحزن الروح القدس الذي ناله يوم معموديته… ويجمع لنفسه غضباً سيحلّ عليه في يوم الغضب أي يوم الدينونة إن لم يتب، لأنه استهان بصبر الله وأهانه، خاصة إن حضر في القداس الإلهي غير تائب، وتجرأ على تناول جسد الرب ودمه بدون استحقاق، فيزيد على نفسه دينونة أعظم لاستخفافه بهذا السر العظيم، سر المحبة الإلهية، السر الذي كلّف ربنا يسوع إهانات وجراحاً ودماءً وآلاماً رهيبة ثم موتاً
ما قد يحزن الله ويغضبه كثيراً أن بعض أولاده، ليس فقط ينزلقون إلى إقامة الحفلات بلا تقيّد أو احتراس من الخطية، بل يقيمونها بعد نوالهم سر الزواج… أو نوال أولادهم سر المعمودية… وسر الميرون… وسر جسد الرب ودمه في المناولة الاحتفالية. فمن أجواء مخافة الله والصلاة والتوبة والنقاوة والخشوع والإيمان والنعمة وحلول الروح القدس، إلى أجواء عالمية بحتة لا تحترس من الخطية
وهل هناك خطية أعظم من أن يسمح الإنسان لنفسه أن يجعل من مناسبات عطايا الروح القدس فرصة للخطية؟
والأصعب من ذلك أنه بسبب انجذاب المؤمن لتقليد ومحاكاة العالم بلا فحص أو قيود أو ضوابط، صارت ابنة المسيح تقوم بارتداء الألبسة المعثرة وغير المحتشمة وتتجاسر على الدخول بها إلى بيت الله، الكنيسة، دونما أي شعور بالخجل أو أي حساب لحضور الله، وهي بذلك تأخذ لنفسها دينونة عظيمة إذ تهين جلال الله
أحبائي: إن كان لا يحل لأولاد الله أن يتهاونوا في هذا الأمر في الأماكن العامة، فكم بالحري في بيت الله الحي، الكنيسة، حيث المذبح المقدس والرب يسوع حاضر فيه من خلال القربان المقدس؟ آهٍ، كم تهاونّا وتجاسرنا
فكيف إذاً، يجب على المسيحي أن يتصرف؟
على المسيحي المولود بالمعمودية والذي استنارت روحه وأصبح ابناً لله، أن يحذر من حيل ابليس، ويسلك بحسب وصايا الله بتدقيق شديد، حافظاً نفسه من أنواع الخطايا والعثرات وإعثار الضعفاء، فيدقق في الحفلات التي سيشارك فيها، أو التي سيقيمها، واضعاً خوف الله أمام عينيه
فعليه أن يفكّر ملياً في خلاص نفسه وفي يوم الدينونة الرهيب وفي الحساب الذي سيعطيه في ذلك اليوم عن الخطايا التي سيرتكبها لخضوعه لضغط المجتمع وتشبهه بأهل هذا العالم، لذا فيجب
أولاً مراعاة الحشمة في الألبسة: فلا يجوز لابنة المسيح أن ترتدي الألبسة غير المحتشمة، الضيقة جداً أو الشفافة، أو القصيرة التي لا تغطي الركبة أو التي لا تستر بشكل كامل منطقة الصدر والظهر، وبالعموم لا يجوز لابنة المسيح أن ترتدي أي لباس مثير ومعثر للآخرين بسبب الموضة خاصة إن كانت هذه الألبسة لا تمكّنها من ستر نفسها لدى جلوسها أو انحنائها
ثانياً اختيار الأغاني المتزنة والتدقيق في محتواها والتأكد من خلوها من المحتوى اللاأخلاقي المباشر أو الإيحاء غير المباشر الذي يلوّث الذهن والقلب ويفتح الباب للشيطان ليوقع أولاد الله في الشهوة الجسدية. وما أكثر هذه الأغاني في أيامنا هذه التي تزداد شهرة وتداولاً بين الناس كلما انحدرت أكثر بالمحتوى اللاأخلاقي
ثالثاً الامتناع عن الرقص المثير والملامسات غير البريئة، والقبلات الخاصة بالمخدع الزوجي
رابعاً تجنب السكر، وإن كان أحدهم قد يسكر بكأس واحدة، فليتجنب الكحول بشكل كامل
خامساً الامتناع الكلي عن التمثّل بما يحدث في حفلات الأعراس الغربية في موضوع نزع ربطة الساق الذي يتمّ بلا حياء على مرأى من جميع الحضور وأمام عيني الرب يسوع الناريتين. فليرحمنا الله
سادساً الامتناع الكلي عن إحضار الراقصات شبه العاريات لتأدية الرقصات الخليعة، وأيضاً الامتناع الكلي عن التواجد في الحفلات التي تسمح بهذه الخلاعة، وإن حدث وتفاجأ المسيحي بوجود هذه الخلاعة عليه مغادرة المكان مباشرة دونما تردد أو تفكير
سابعاً أن يحذر أولاد الله الشباب والشابات المُقدمين على الزواج من الانزلاق إلى إقامة ما يسمى حفلة توديع العزوبية وما تحتويه من سكر وخلاعة ونجاسة
وأخيراً يا أحبائي يا أولاد الله، فحتى يضمن المسيحي مناخاً خالياً من الخطية والعثرات في الحفلة التي سيقيمها، أقترح عليه أن يشرح للمدعوين على بطاقة الدعوة ما هي أجواء الحفلة وما هي التزاماتها. فمثلما كانوا سابقاً وربما لا يزالون يطلبون في بطاقة الدعوة عدم جلب الأطفال، أو استبدال الهدايا العينية بالهدايا المالية، أو إن كانت الحفلة رسمية طلب الحضور باللباس الرسمي، فبإمكان أولاد الله اليوم أن يتعلموا من هذه الأمثلة، ويصرّوا على حياة الالتزام بالقداسة، ويطلبوا من المدعوين الحضور بالزي المحتشم وإعلامهم أن فقرات الحفلة من غناء ورقص وشرب ستراعي ما يناسب حضور الرب يسوع. قد يبدو هذا الاقتراح غريباً في أول الأمر. لا يهم، فدعونا نكون أمثلة رائدة في ذلك لأهلنا وأصدقائنا وجيرانا بتمسكنا بالقداسة ورفضنا للخطية حتى ولو ظهرنا في البداية كغريبي الأطوار في مجتمع يتنافس على الخطية
أما إن دُعيَ المسيحي إلى حفلة ما ويكون قد قرّر أنه يريد أن يرث ملكوت الله وأن لا يساوم على وصاياه وعلى حياة الطهارة، فماذا يجب أن يفعل؟
إن كان هذا المسيحي يعلم سلفاً أن الأجواء ستعرّضه للتجربة والعثرات فعليه أن يعتذر عن الحضور، أو على الأقل، أن يقوم بواجب المباركة، ثم يغادر في الوقت المناسب قبل أن تبدأ العثرات
ويبقى السؤال: هل يحلّ لمؤسسات الكنيسة أن تقيم الحفلات؟
يجب على المسؤولين الذين يخدمون في مؤسسات الكنيسة أن يدركوا جيداً أن مسؤوليتهم كبيرة قدام الله وسيعطون حساباً عنها ولا مفرّ من ذلك
لذا فإن أرادوا إقامة أي نشاط اجتماعي لا سيما الحفلات، عليهم أن يدققوا جيداً وبحزم لكي يكون ذلك تماماً بلا خطية، سواء كان هذا النشاط في أوقاف الكنيسة أو في أي مكان خارجي مأجور
عليهم أن يكونوا جديين في وضع الضوابط والتعليمات للسلوك بحسب مشيئة الله بلا خطية، وإعلان ذلك للمؤمنين مرات كثيرة لعدة أسابيع
وعليهم أن يكونوا حكماء ولكن حازمين في تطبيقها وعدم التراخي والمساومة مع من يريد أن يسمح للخطية والعثرات في نشاطات تقام تحت اسم كنيسة الله
وبما أن النشاط يخص الكنيسة، فلا بد لهذه الضوابط أن تكون أشد من ضوابط النشاطات الشخصية لئلا نجلب على أنفسنا غضب الله مضاعفاً. وتجنباّ للاختلاف في تحديد المقياس الذي تقاس به عفة الأغاني والرقص وكمية الكحول، أوصي جميع الأحباء العاملين في مؤسسات الكنيسة أن يلتزموا بالآتي ابتداء من العام الجديد
أولاً: عدم السماح بالأغاني مطلقاً، والاستعاضة عنها بالموسيقى التي تتناسب مع رقصات الدبكة الفلكلورية الشعبية الجماعية المتزنة
ثانياً: عدم السماح بالمشروبات الكحولية مطلقاً، والاستعاضة عنها بالمشروبات الخالية من الكحول
أما في حال استحالت على مؤسسات الكنيسة القي( بذلك فيجب عدم الانصياع إلى صوت الجموع، بل أخذ القرار الحاسم بعدم إقامة النشاط عملاً بقول الرب: « فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك لانه خير لك ان يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم. وإن كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها وألقها عنك لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم»
فالذي يكون في موضع المسؤولية سيعطي الحساب ضعفين، عن نفسه وعن الآخرين.
لذا عليه أن يمنع ما يجب منعه، كما عليه أن ينظم ويضع الضوابط لئلا تحدث العثرات، لأنه إن حفرنا حفرة لنضع أساساً لمنزل نريد تشييده ولم نسيّج حولها ولم نأخذ كافة الاحتياطات، ثم تعثّر أحدهم، فالمسؤولية كلها ستقع علينا
أو إن تساقط الثلج أمام المنزل ولم نقم بواجبنا في إزالته وتعثّر عليه أحدهم، فأيضاً نحن من سيُحاسب على ذلك
وما ينطبق على القانون المدني، ينطبق أيضاً على الحياة الأبدية، لذا قال الرب عن العثرات: « ويل للذي تأتي بواسطته. خير له لو طوّق عنقه بحجر رحى وطرح في البحر من أن يعثر أحد هؤلاء الصغار» (لوقا 17: 1و2
أما الاكليروس على مختلف درجاتهم، المتزوج وغير المتزوج، فهل يليق بهم حضور الحفلات؟
ما ينطبق على المؤمن العلماني، ينطبق بالأولى على كل الاكليروس
فإن كان لا يحل للمسيحي العلماني المشاركة في الحفلات أو إقامتها إن كانت لا تحفظ وصايا الله ولا تتجنب الخطايا والعثرات، فبالأولى كثيراً أن لا يحلّ هذا الأمر للإكليروس أيضاً
فكيف يقوم الاكليروس بذلك وهو وكيل الله المؤتمن على الأسرار المقدسة، وعلى التعليم عن القداسة والتوبيخ على الخطية؟
كيف يتجرأ الاكليروس على أن يعرّض نفسه لإمكانية تلويث سمعه ونظره وفكره وقلبه؟
كيف يقدر أن يحثّ قطيع المسيح على حياة الطهارة والحذر من التجارب وهو نفسه غير مبال؟ لا يا إخوتي الأحباء لا، فهذا لا يجوز
عملياً ماذا ينبغي على الإكليروس أن يفعل إن دُعي إلى مثل هذه؟
بإمكانه أن يعتذر عن الحضور
أو أن يشترط الحضور لمباركة وتناول الطعام إن كان جاهزاً، ثم يبارك للذين دعوه وينصرف بالسرعة الممكنة
فبهذا يصون نفسه من التجربة، لأنه من ناحية لا يضمن ما ستكون عليه الأجواء عندما يبدؤون بالشرب والأغاني والرقص، ومن ناحية أخرى لا يليق بالاكليروس بكل درجاته وأوضاعه وهم الذين كرّسوا حياتهم للالتصاق بالله وخدمته والسعي نحو الكمال، أن يصرفوا وقتهم بأمور هذا العالم حتى وإن خلت من الخطية، لأن مثالهم هو مثال مريم التي اختارت النصيب الصالح الذي لن ينزع منها وليس مثال مرثا المضطربة والمهتمة بأمور كثيرة. لذا أوصي جميع الإكليروس الأحباء في كندا أن يسلكوا هكذا
آتي الآن إلى قصة معروفة للكثيرين هي قصة عرس قانا الجليل. فهل هي تبرّر الحفلات أم تحرّمها؟ كيف يجب أن نفهمها؟
من جهة، قد يحرّم البعض مبدأ الحفلات ويعتبرها في ذاتها خطية جملة وتفصيلاً حتى لو التزمت بوصايا الرب وأحكامه وتجنّبت الخطايا والعثرات. فموقفهم هذا متطرّف ويتطلب منهم اعتدالاً وإعادة النظر، وما قصة حضور الرب يسوع والسيدة العذراء مريم والتلاميذ عرس قانا الجليل حيث حوّل الرب الماء خمراً، إلا جوباً على هذا التطرف
ومن جهة أخرى، يستخدم البعض هذه القصة ليبرّر الحفلات حتى لو تساهلت مع الخطايا والعثرات، بدليل حضور الرب يسوع هذا العرس. وهم في قولهم هذا مخطئون جداً إذ يجعلون الرب يسوع ووالدته وتلاميذه خداماً للخطية ومصادقين عليها. وحاشا للرب ولهم أن يكونوا كذلك
فلننظر إلى أمهاتنا وجداتنا في القرن العشرين وإلى حشمتهن في طريقة الالبسة والتصرفات الرزينة في الأعراس والحفلات. فإن هكذا كانت أوضاعنا في القرن العشرين، فماذا تظنون بأوضاع النساء في أيام الرب يسوع عندما كانت الحشمة تقتضي ليس فقط الألبسة الطويلة بل أيضاً غطاء للرأس في المجتمع اليهودي؟
وإن كان الرب يسوع قد أكلته غيرة بيت أبيه عندما دخل إلى الهيكل بعد عرس قانا الجليل، فقلب موائد اللصوص، ثم عاد وقَلَبها ثانية بعد أكثر من ثلاث سنوات عند دخوله أورشليم في الشعانين، فهل سيسكت على خطايا تمارس أمامه في عرس كما تمارس في حفلات أيامنا هذه؟
فلنحذر أحبائي نحن الذين نستخدم عرس قانا الجليل دليلاً على مصادقة الرب على خطايانا. إننا بذلك نجدّف على الله
الرب يسوع يحبنا نحن الخطاة ولكنه يكره خطايانا. يحبّنا لذلك لا يحاسبنا فوراً عند ارتكابنا المعاصي، وهو لو فعل فهذا عدل، ولكنه يصبر علينا حزيناً غاضباً ومتألماً لكي نتوب. فغاية صبره هي إعطاء فرصة للتوبة، ولكن إن أسأنا استخدام صبر الله وجعلنا منه فرصة جديدة للخطية فنحن نجمع لأنفسنا غضباً أعظم من الغضب الأول، سينسكب علينا في يوم الدينونة
قد يظن بعضنا أن هذا الكلام صعب وهو يخص المكرّسين فقط لا سيما الرهبان. إن كلامهم هذا يحتاج إلى تصحيح. فليس المكرّس هو فقط من ترهّب أو رُسم شماساً أو كاهناً أو أسقفاً، بل إن التكريس يبدأ عند تعميد الإنسان باسم الاب والابن والروح القدس، فيتكرّس ويولد روحياً من جديد ويصبح ابناً لله، وبذلك يتكرّس أيضاً جسده ويصبح هيكلاً يسكنه الروح القدس، وهذا يعتبر التكريس العام
ثم إن أراد إلهنا الصالح، فقد يختار هذا المعتمد ويكرّسه تكريساً آخر ليحمل شيئاً من الوزنات حسب طاقته وحسب مسرة مشيئة الله
فالذي تكرّس لله بواسطة المعمودية، له وعد الحياة الأبدية، وعليه أن يسلك بقداسة كما سلك ربنا ومخلصنا يسوع المسيح له المجد، ويقتدي بإيمان وسيرة أمنا العذراء مريم والآباء الرسل وجميع القديسين
لذا فالعفة هي حفظ الإنسان نفسه من الزنى بالجسد ومن الزنى بالقلب، وهي وصية يجب أن يجاهد فيها المتزوج وغير المتزوج، من الإكليروس وأيضاً من المسيحيين، أولاد الله الذين تكرّسوا بواسطة العماد المقدس
أخشى أحبائي أن تظنوا أني بالغت في كلامي فأبدو كمازح في أعينكم كما كان لوط في أعين أصهاره عندما كلّمهم قائلاً: «قُومُوا اخْرُجُوا مِنْ هذَا الْمَكَانِ، لأَنَّ الرَّبَّ مُهْلِكٌ الْمَدِينَةَ» (التكوين 19: 14). لذا أريد لنا جميعاً ههنا أن نسمع بجدية لقول الرسول بولس عن من هم الذين لن يرثوا الملكوت حيث يقول: «أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ؟ لاَ تَضِلُّوا: لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلاَ فَاسِقُونَ وَلاَ مَأْبُونُونَ وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ، وَلاَ سَارِقُونَ وَلاَ طَمَّاعُونَ وَلاَ سِكِّيرُونَ وَلاَ شَتَّامُونَ وَلاَ خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ». (1كو 6: 9و10
وأيضاً إلى قول الرب يسوع عن التوبة عندما قال: «إنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُونَ» (لوقا 13: 3
وأيضاً إلى قوله عن الطريق المؤدّي إلى الملكوت إذ قال: «اُدْخُلُوا مِنَ الْبَاب الضَّيِّقِ، لأَنَّهُ وَاسِعٌ الْبَابُ وَرَحْبٌ الطَّرِيقُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ، وَكَثِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ! مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَكْرَبَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ!» (متى 7: 13و14). وأيضاً: «اجْتَهِدُوا أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ، فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا وَلاَ يَقْدِرُونَ. مِنْ بَعْدِ مَا يَكُونُ رَبُّ الْبَيْتِ قَدْ قَامَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ، وَابْتَدَأْتُمْ تَقِفُونَ خَارِجًا وَتَقْرَعُونَ الْبَابَ قَائِلِينَ: يَارَبُّ، يَارَبُّ! افْتَحْ لَنَا. يُجِيبُ، وَيَقُولُ لَكُمْ: لاَ أَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ!»(لوقا 13: 24و25
ما دفعني أحبائي إلى كتابة هذه الرسالة الأبوية، أولاً هو واجبي الكهنوتي والرعوي الذي يحتّم علي أن أحذّر الخطاة من الخطية ليتوبوا ولئلا يموتوا في خطاياهم ويذهبوا إلى الهلاك الأبدي، فتُطلب دماؤهم من يدي في يوم الدينونة، والويل لي إن كنت لا أفعل ذلك. وثانياً هي محبتي وغيرتي عليكم، كباراً وصغاراً، وشهوتي أن نكون جميعاً قديسين لنا أعمال حسنة تجعل من يراها يمجد أبانا السماوي. فالرب يريد القداسة التي بدونها لن يرى إنسان وجه الله
إن كنت أحبكم يجب ألاّ أساومكم وأرضيكم، لأني إن أرضيتكم فيما ليس لله فلست أرضي الله
رسالة رعوية
صادرة عن مطرانية السريان الأرثوذكس في كندا
]]>